خريطة تحالفات أمريكا- من هم الحلفاء والشركاء والأصدقاء؟

دأبت الولايات المتحدة الأميركية، القوة العظمى المهيمنة بلا منازع منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، على صياغة استراتيجيات أمنها القومي انطلاقًا من فرضية مفادها أنها تخوض حربًا دائمة. هذه الرؤية تدفعها إلى مواجهة شتى أنواع التحديات الأمنية، سعيًا وراء تحقيق طموحاتها المعلنة في بناء عالم ينعم بالرخاء، الأمن والاستقرار، عالم يستند إلى مبادئ الديمقراطية الراسخة، الحرية المنشودة، حقوق الإنسان المصونة، والمبادرات الاقتصادية الحرة. وعلى الرغم من ذلك، تعي الولايات المتحدة تمام الإدراك أنها لا تستطيع تحقيق هذه الغايات بمفردها، وأن التعاون الوثيق مع الحلفاء، والشركاء، والأصدقاء هو أمر لا غنى عنه. هذا التقسيم يتردد صداه باستمرار على ألسنة المسؤولين في الإدارات الأميركية المتعاقبة، لا سيما في أوقات الصراعات المحتدمة. فمن هم هؤلاء الحلفاء والشركاء والأصدقاء الذين يشكلون معًا نسيج التحالفات والشراكات المستقبلية؟
يوجد حاليًا ما يزيد عن 80 دولة على استعداد لتقديم الدعم الكامل للولايات المتحدة في مواجهتها الحاسمة مع روسيا والصين. هذه الدول تتأهب لبدء حصار يهدف إلى إضعاف شوكتهما، وعرقلة مساعيهما لتشكيل تحالفات مضادة، باستثناء التحالفات الممكنة مع دول مثل إيران وكوريا الشمالية.
أولا: الحلفاء
تنقسم الدول الحليفة للولايات المتحدة إلى فئتين رئيسيتين، وهما:
1. دول حلف الناتو
في شهر أبريل من عام 1949، شهد العالم توقيع الولايات المتحدة وكندا إلى جانب 10 دول أوروبية على "معاهدة شمال الأطلسي"، والتي تُعرف اختصارًا بـ "حلف الناتو". سرعان ما توسع هذا الحلف ليشمل المزيد من الدول الأوروبية، ليصل عدد أعضائه حتى الآن إلى 30 دولة. هذه الدول تعمل بتفانٍ على تطبيق بنود المعاهدة وتحقيق أهدافها السامية، وعلى رأسها البند الخامس الذي يلزم جميع الأعضاء بالدفاع المشترك عن أي دولة عضو تتعرض لاعتداء خارجي. وتضم هذه المجموعة المتميزة من الدول كلاً من: الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، الدانمارك، لوكسمبورغ، آيسلندا، البرتغال، النرويج، هولندا، ألمانيا، إسبانيا، تركيا، اليونان، التشيك، هنغاريا، بولندا، بلغاريا، سلوفينيا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوفاكيا، ألبانيا، كرواتيا، الجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية. ويظل باب الانضمام إلى هذا الحلف مفتوحًا أمام بقية الدول الأوروبية التي ترغب في ذلك.
2. "حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين من خارج الناتو" (MNNA)
هذه الفئة تشمل الدول الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة التي لا تنتمي إلى حلف الناتو. وتصنف الحكومة الأميركية هذه الدول كحليف رئيسي نظرًا لعلاقاتها الاستراتيجية الوثيقة مع القوات الأميركية. ومع ذلك، فإن تصنيف الدولة كحليف رئيسي من خارج الناتو لا يمنحها نفس الضمانات الدفاعية والأمنية المتبادلة التي يتمتع بها أعضاء الناتو. بل يمثل تأكيدًا جليًا على الأهمية الاستثنائية التي توليها الولايات المتحدة لهذه الدولة. وقد قسم هذا القانون هذه الدول الحليفة إلى فئتين بناءً على مستوى أهميتها الاستراتيجية.
حتى الآن، تم تصنيف 18 دولة ضمن هذه الفئة من الحلفاء، وذلك بعد تجميد عضوية أفغانستان. وهذه الدول هي: أستراليا، إسرائيل، اليابان، الفلبين، الأرجنتين، البرازيل، كولومبيا، كوريا الجنوبية، نيوزيلندا، تايلاند، باكستان، مصر، الأردن، البحرين، المغرب، الكويت، قطر، وتونس، بالإضافة إلى تايوان، ولكن دون إعلان رسمي بذلك.
تتمتع الدول المصنفة كحليف استراتيجي من خارج الناتو بمجموعة من الامتيازات القيمة، بما في ذلك:
- إمكانية الحصول على قروض ميسرة لأغراض البحث والتطوير والاختبار والتقييم المشترك.
- السماح للولايات المتحدة بتخزين احتياطياتها من معدات الحرب على أراضي الدولة الحليفة.
- إمكانية إبرام اتفاقيات مع الولايات المتحدة لتوفير التدريب التعاوني.
- الحصول على المواد الدفاعية الفائضة ذات الأولوية.
- شراء قذائف اليورانيوم المستنفد المضادة للدروع، والدخول في مذكرات تفاهم لإجراء البحوث التعاونية ومشاريع التطوير المتعلقة بالمعدات والذخائر الدفاعية.
- السماح لشركات هذه الدول بتقديم عطاءات على عقود صيانة وإصلاح معدات وزارة الدفاع الأميركية خارج الولايات المتحدة.
- السماح باستخدام التمويل الأميركي لشراء واستئجار معدات دفاعية معينة.
- الحصول على قروض لشراء المعدات والمواد اللازمة لمشاريع البحث والتطوير.
في أعقاب النجاح الباهر الذي حققته الولايات المتحدة في تشكيل التحالف الدولي للحرب على "الإرهاب" في أواخر عام 2001، بمشاركة أكثر من 170 دولة، باتت الولايات المتحدة على قناعة بضرورة وجود مؤسسة دفاعية متغيرة قادرة على التكيف مع حالة النزاع الممتد والتحول المستمر. وهذا يتطلب تطوير استراتيجية مرنة قادرة على استشراف الفرص واستغلالها، ومواجهة التحديات المتزايدة من خلال الدفاع النشط المتعدد الطبقات.
ثانيا: الشركاء
الشراكة تمثل مستوى أقل من التحالف، وغالبًا ما تُعرف بالشراكة الاستراتيجية. وهي تقوم بين الدول في صورة ثنائية أو بين الدول وكيانات إقليمية، وذلك بهدف تعزيز العلاقات في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وتنقسم الدول الشريكة للولايات المتحدة إلى قسمين رئيسيين أيضًا، وهما:
1. شركاء الناتو
هذه الفئة تشمل الدول التي لا تتمتع بعضوية كاملة في حلف الناتو، ولكن تربطها به اتفاقيات ثنائية تهدف إلى التعاون في الجوانب التي تحقق الأهداف المشتركة، وذلك ضمن ما يُعرف بـ "مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية" (EAPC). هذا المجلس هو منتدى متعدد الأطراف تم إنشاؤه بهدف تحسين العلاقات بين الناتو والدول غير الأعضاء في أوروبا وآسيا الوسطى. تأسس في عام 1997 ليحل محل "مجلس تعاون شمال الأطلسي" (NACC) الذي تأسس في عام 1991 في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، بهدف التعاون مع الدول الأوروبية والآسيوية المستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
يضم مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية في عضويته 50 دولة، تتألف من الدول الـ 30 الأعضاء في الناتو، بالإضافة إلى 20 دولة من خارج الناتو، وهي: أرمينيا، النمسا، فنلندا، أيرلندا، مالطا، مولدوفا، صربيا، السويد، سويسرا، أوكرانيا، البوسنة والهرسك، روسيا، بيلاروسيا، جورجيا، أذربيجان، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، وأوزبكستان. ثم توسع المجلس ليشمل دولًا أخرى من مختلف أنحاء العالم، مثل: إسرائيل، مصر، الأردن، موريتانيا، المغرب، تونس، البحرين، الكويت، قطر، الإمارات العربية المتحدة، العراق، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، كولومبيا، منغوليا، نيوزيلندا، باكستان، وأفغانستان. وقد تم تجميد عضوية كل من روسيا وبيلاروسيا على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وكذلك عضوية أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة منها وتسليمها لحركة طالبان.
يهدف المجلس بشكل أساسي إلى تعزيز الحوار والتشاور حول القضايا السياسية والأمنية بين الدول الحليفة والدول الشريكة. كما يوفر الإطار السياسي العام لتعاون الناتو مع الدول الشريكة، وذلك للتباحث في العديد من المجالات الحيوية، مثل إدارة الأزمات وعمليات دعم السلام، والقضايا الإقليمية الملحة، والحد من التسلح والقضايا المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب الدولي، وقضايا الدفاع والأمن الحدودي، والتعاون في مجال التسلح، والأمان النووي، والتنسيق المدني-العسكري لإدارة الحركة الجوية، والتعاون العلمي المثمر.
2. شركاء الولايات المتحدة
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، نجحت الولايات المتحدة خلال حربها على ما يسمى "الإرهاب" في تحقيق مستوى غير مسبوق من التعاون الدولي، بمشاركة فعالة من أكثر من 170 دولة في أنشطة متنوعة. وترى الولايات المتحدة أن هذه التجربة قد أكدت لها مدى الحاجة الملحة إلى مؤسسة دفاعية ديناميكية قادرة على التكيف مع حالة النزاع الممتد والتحول المستمر. وهذا يستلزم تطوير استراتيجية قادرة على التكيف مع هذه التحولات المتسارعة، وقادرة على خلق الفرص واغتنامها بذكاء، ومواجهة التحديات المتصاعدة من خلال الدفاع النشط والمتعدد الطبقات. ومن هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى تجاوز حدود التحالفات والشراكات الحالية، والعمل بدأب على توسيع دائرة شراكاتها لتشمل جميع دول العالم، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز تعاونها مع الشركاء الذين يمثلون نقاطًا جغرافية استراتيجية في طرق الإمداد وإدارة عمليات المواجهة، على سبيل المثال:
- شراكتها المثمرة مع "رابطة دول جنوب شرق آسيا" (ASEAN) التي تضم في عضويتها دولًا مثل تايلاند والفلبين وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة. وقد أكدت الولايات المتحدة لهذه الدول خلال اجتماعها معها في شهر أبريل الماضي على استمرارها في دعم جهود الرابطة ودولها الأعضاء في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
- شراكتها مع الدول المتنازعة مع الصين في منطقة بحر جنوب الصين، مثل: بروناي وفيتنام وتايوان وماليزيا والفلبين.
- شراكة المحيط الهادي الواعدة، مع دول مثل بنغلاديش وإندونيسيا وتونغا.
- وأخيرًا وليس آخرًا، شراكة الأمن والتعاون الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وكل من دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن.
3. تحالفات وشراكات أخرى
تضم التحالفات والشراكات التي استعرضناها آنفًا أكثر من 80 دولة، وتعتبر جميعها على أهبة الاستعداد للمساهمة الفعالة في بدء الحصار المفروض على روسيا والصين. ومع ذلك، فإن تحالفات وشراكات الولايات المتحدة لا تقتصر على هذه الدول فحسب، ولا تقتصر أيضًا على الجوانب السياسية والعسكرية فقط، بل تتجاوز ذلك لتشمل معظم دول العالم، وفي مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والزراعية والاجتماعية والحقوقية والأمنية والمعلوماتية والعلمية والتنموية. وهناك أيضًا تحالفات وشراكات ثنائية قوية مع دول محورية، على الرغم من أنها لم يتم تضمينها في تحالفات رسمية، مثل المملكة العربية السعودية، والهند، وجنوب أفريقيا.
أما أصدقاء الولايات المتحدة، فهم يشكلون مجموعة كبيرة من الدول النامية التي تتلقى مساعدات تنموية متنوعة من الولايات المتحدة، وذلك ضمن اتفاقيات ثنائية محدودة، مثل بقية الدول العربية والدول الأفريقية، والتي تسير تلقائيًا في ركب الدول المؤيدة للولايات المتحدة، كما حدث في التحالف الدولي للحرب على "الإرهاب".
تسعى الولايات المتحدة جاهدة – قبيل الشروع في أي مواجهة محتملة – إلى قطع الطريق على روسيا والصين لمنعهما من إقامة أي تحالفات مضادة. وحتى إذا تمكنتا من تحقيق ذلك، فستكون تحالفاتهما هشة وغير قادرة على الصمود لفترة طويلة. وهذا من شأنه أن يزيد من صعوبة موقف روسيا والصين، اللتين لن تجدا في صفهما سوى دول مثل إيران وكوريا الشمالية، وربما بعض دول أمريكا اللاتينية الهامشية.
(يتبع). "قواعد النظام الدولي الأميركي".